Umm Kulthum

تسمع صوت مقهى أم كلثوم قبل أن تراه، ينبعث صوت الكمان مثيراً العواطف ويشق الصوت الأسطوري مدخل حي التوفيقية في القاهرة. خارج المقهى، يجلس كل اثنين على مقاعد بلاستيكية يدخنان النرجيلة، ليظهرا كأقزام بجانب تمثالين ذهبيين ضخمين للمطربة التي مُنحت ألقاباً عدة، منها “كوكب الشرق” و”أم العرب” و”هرم مصر الرابع”.

سجلت أم كلثوم 300 أغنية تقريباً على مدار 60 عاماً خلال مسيرتها الفنية، لنسمع اليوم أغنياتها عن العشق والهجر والشوق آتية من السيارات والراديو والمقاهي في العالم العربي بأكمله بعد 45 عاماً على رحيلها. على رغم القصائد العربية الصعبة التي تغنّت بها، أثّرت أم كلثوم في عدد من أشهر مطربي الغرب. وصفها بوب ديلان قائلاً، “إنها رائعة. حقاً إنها رائعة”. وأدت كل من شاكيرا وبيونسيه حركات راقصة على أنغام موسيقاها. وقالت ماريا كالاس، إنها “صوت لا يُضاهى”.

يخلو الغرب من نظير لأم كلثوم، ولا يوجد على الساحة فنان يلقى هذا القدر من الحب والاحترام مثل ما تلاقيه أم كلثوم في العالم العربي. على رغم ذلك، كانت لا تزال غير معروفة إلى حد ما في المملكة المتحدة حتى عرض مسرحية غنائية على مسرح “بالاديوم لندن” ليتبدل الأمر. تسرد المسرحية بعنوان “أم كلثوم والعصر الذهبي” حياتها باللغة الإنكليزية مع أغنياتها باللغة العربية. تقول منى خاشقجي، منتجة العرض، “يهدف جوهر رسالتي إلى ترويج ثقافتنا الثرية بالموسيقى العربية الكلاسيكية في الغرب”.

تصور المسرحية مصر أثناء فترة الثراء الثقافي وطفرة التغير الاجتماعي السياسي في البلاد. وترد على سؤال طرحته فيرجينيا دانيلسون، المتخصصة في علم الموسيقى العرقية، والتي كتبت سيرة حياة أم كلثوم، “هل يُمكن أن تُمثل حياة امرأة واحدة ومسيرتها، 50 عاماً في المجتمعات العربية التي ظهرت فيها المرأة للعالم الخارجي أنها مظلومة ومقهورة وخفية؟”، وليس فقط امرأة عادية، بل امرأة أثارت مزاعم مثليتها الجنسية ورفضها المعايير الجنسانية التقليدية، بعض الدهشة خلال حياتها.

ولدت أم كلثوم في إحدى قرى دلتا النيل عام 1904 لأب يعمل إماماً وزوجته. حاول الأب دعم دخل الأسرة بغناء التواشيح الدينية بصحبة ابنه وابن أخيه، بينما اعتادت ابنته تقليدهم، ليبدو بعد ذلك أنها تعلمت الغناء في بادئ الأمر “مثل الببغاء”. انضمت الابنة إلى فريق العمل العائلي، وتميزت بصوتها القوي المُبدع، لكن كونها امرأة تغني التواشيح الدينية أثار حفيظة البعض. ولذا ألبسها والدها معطفاً للصبية وغطاء رأس بدوي أسود، لا يظهر منه سوى فمها وعينيها. مع ذلك، تحرر صوتها من قيود التفرقة الجنسية ولمع ليجذب انتباه أبرز الموسيقيين آنذاك، الذين بدورهم دعوها إلى القاهرة.